[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الحلال والحرام
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، أحل لنا كل طيب نافع لأبداننا وأموالنا وحرم علينا كل خبيث ضار لأبداننا وأموالنا وديننا فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].
أحمده - سبحانه - أن أكرمنا بالطيبات من الرزق، وأشكره أن جعلنا من أتباع سيد الخلق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والعبادة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المختار للرسالة والسيادة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على الدين في أعماله واعتقاده..
أما بعد:
عباد الله، أوصيكم وإياي بتقوى الله في الأقوال والأفعال، والوقوف عند الزواجر الموضحة للحرام من الحلال، واعلموا أن المحافظة على المطاعم والمشارب والمكاسب لئلا تكون من الحرام سبب لقبوله الأعمال، وأن عدم التورع من الحرام وعدم المبالاة به تمنع قبول الدعاء.
عباد الله، أمركم الله - تبارك وتعالى - كما أمر به المرسلين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، ولما سأل سعد ين أبي وقاص - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل الله أن يجعله مستجاب الدعوة قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)[1]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: (والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله عمله أربعين يومًا وأيما عيد نبت لحمه من السحت والربا النار أولى به)[2]. وقال - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم في خطبته: (ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدًا حلال وإني خلقت عبادي حنفاء وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم)[3]. وبين - صلى الله عليه وسلم - أن الحرام سبب لمنع قبول الدعاء (إن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)[4].
والحرام أنواع منها: أكل مال الغير بالباطل أي دون مقابل كالرشوة والربا والغش والضرر، وقد نهى الله - تعالى - المؤمنين عن أكل أموال بعضهم بالباطل فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾ [النساء: 29] ومن ذلك القمار وهو الميسر الذي قرنه الله مع الخمر المشارك له في الحرمة والنجاسة بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91].
أخبر الله - تعالى- أن الخمر والميسر يؤديان إلى البغضاء والعداوة ويصدان عن ذكر الله وعن الصلاة وأنهما رجس من عمل الشيطان، فكيف يرضى عبد لنفسه وهو يدعي الإسلام ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ثم يتعاطى ما يجمع هذه الصفات الذميمة التي تكفي الواحدة منها في بعد العاقل عنها ما دامت رجسًا نجسًا من عمل الشيطان وتسبب العداوة والبغضاء اللتين هما أضر شيء على المجتمعات وينتج عنهما التهاجر والتقاطع اللذان يسببان عدم رفع الأعمال إلى الله تعالى، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (تعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس إلا رجلان بينهما شحناء فيقال: دعوا هذين حتى يصطلحا)[5].
والقمار من أفعال الجاهلية، روى الضحاك عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: الميسر هو القمار كانوا يتسامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة، ويتحقق القمار في كل لعب يجعل فيه رهان، يقول على بن أبي طالب - رضي الله عنه -: الشطرنج من الميسر، وقال غيره: كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب والبيض التي تلعب بها الصبيان وقال ابن مسعود: (اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة فإنها الميسر)[6]. وروى مسلم في صحيحه عن بريدة بن الحصيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لعب بالنردشير فكأنما وضع يده في لحم خنزير ودمه)[7]. وفي موطأ مالك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله)[8].
وروى الإمام أحمد بسنده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلى مثل الذي يتوضأ بالقيح ولحم الخترير ثم يقوم فيصلي)[9]. وما ورد من الأسماء المباينة لهذه الألعاب فكلها تعود إلى أصل واحد وهو أن كل لعب يصد عن ذكر الله وعن الصلاة ويؤخذ عل أثره أموال فهو من الميسر الذي حرمه الله سواء وافق مسماه اسم الألعاب المذكورة في الأحاديث والآثار التي مر ذكرها أو خالفها، فينبغي للمؤمن أن يكون يقظًا في أمر دينه ولا يخدعه الشيطان ونفسه الأمارة بالسوء والهوى، وليتق الله عند كل قول وعمل ولا يفرط بنفسه ويعرضها لعذاب الله وسخطه، فإن الله قد كفل له رزقه فلا يتناوله إلا من طريق الحلال ولا يغتر بالآمال الكاذبة فينهمك في الضلال فإنه لا يدري متى يفاجئه الأجل وينقطع العمل.
والحمد لله رب العالمين